بعد عشر سنوات من الاغلاق على سكان قطاع غزة، هناك ما يكفي من الاسباب لليأس ومشاعر الكراهية لإسرائيل. لكن فجأة هناك أمل: قد يستطيع داعش اقناع عدوهم اللدود برفع الحصار الخانق عنهم. داعش ينفذ عملية في اسطنبول فيقتل ثلاثة إسرائيليين، الرئيس التركي يبعث ببرقية عزاء دافئة لرئيس الحكومة وتصخب وسائل الاعلام هنا متحدثة عن فرصة استئناف العلاقات، وعندها توافق إسرائيل على تخفيف الحصار من اجل استغلال «فرصة» العملية لتحقيق انجاز سياسي. وتتكرم بالسماح بدخول خبراء اتراك ومواد بناء بكميات ملائمة، وهكذا يزول الحصار.
ثلاث مراحل من المراحل الاربعة تلك تمت بنجاح، إلا أن مليون و800 ألف سجين في السجن الاكثر اكتظاظا في العالم قد سبق لهم واكتووا بهذا الأمل. كان ذلك في 2010 عندما انضمت طائرتي اطفاء من تركيا إلى جهود اطفاء الحريق في الكرمل. في حينه ايضا تحدثوا عن «دبلوماسية الكوارث».
وفي حينه ايضا كان الأمل بأن تركيا وإسرائيل ستعاودان العناق، لكن شيئا لم يحدث.
مرت ست سنوات تقريبا على ذلك، وكارثة اخرى تبعث على الأمل. وهذه المرة ايضا تُسمع الترددات المعروفة: هل نمنح اردوغان فرصة قطف الثمار السياسية من العملية التي لم يستطع منعها؟ وماذا عن امكانية حدوث عمليات في العلاقة بين إسرائيل ومصر التي تدخل إلى حالة من الفوضى بسبب التقارب المحتمل؟ ومرة اخرى يتحول المواطنون في غزة إلى رهائن. هذه المرة ليس بيد حماس والانشقاق بينها وبين السلطة الفلسطينية، بل بسبب الاعتبارات الدولية التي ستقرر مصير حرية حركتهم وقدرتهم على اعمار منازلهم.
في غزة يعرفون جيدا موقف الجيش الإسرائيلي الذي يدفع باتجاه اعطاء المزيد من التسهيلات وتصاريح العمل. إنهم يريدون تصديق أن ضائقتهم يمكنها التأثير بالفعل على القلب اليهودي الرحيم. وأن تفهم إسرائيل أخيرا أن عشر سنوات من الحصار لم تمنع اطلاق الصواريخ والعمليات والمصابين. وكانوا سيفرحون لانتهاء المفارقة حيث أنه من جهة تعتبر إسرائيل حماس الجهة المسؤولة عن الهدوء في غزة. ومن جهة اخرى لا تعطيها الأدوات المدنية للحفاظ على هذا الهدوء الثمين. إنها تتعاون مع مصر في الحرب ضد الإرهاب في غزة، لكنها تستمر في تغذية براميل المتفجرات القابلة للاشتعال في غزة.
إنهم لا يفهمون المفارقة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بتركيا. إذا كانت إسرائيل مستعدة للتخفيف وعدم رفع الحصار بشكل كامل كثمن للعلاقة الدبلوماسية مع تركيا، فلماذا لا تبادر إلى رفع هذا الحصار كي لا تبدو كمن يدفع ثمن تلك العلاقة؟ بالتأكيد اردوغان لن يغضب من مبادرة حسن نية كهذه، والرئيس المصري لن يتهم إسرائيل بالخيانة. لأنه عمليا لن تتنازل إسرائيل من اجل تركيا بل من اجل نفسها. يوجد لسكان غزة كثير من وقت الفراغ للتفكير بالمفارقات التي تشوه السياسة الإسرائيلية. أكثر من 38 في المئة منهم عاطلون عن العمل، وفي اوساط الشباب تصل نسبة البطالة إلى 53 في المئة. وهم ايضا لا يعملون بشكل زائد في اعمار منازلهم لأن مواد البناء التي تصل إلى القطاع تبلغ فقط 14 في المئة مما يحتاجون اليه.
لا توجد لإسرائيل سياسة واضحة تجاه غزة باستثناء الحصار. لا توجد لها أهداف واضحة أو خطط عمل باستثناء العقاب الجماعي الذي لا يقول ما يريد تحقيقه. كل ما بقى للغزيين ليفعلوه هو الرهان على اردوغان، وخصوصا على داعش أو أي منظمة إرهابية اخرى في تركيا، بأن تصيب إسرائيليين بالصدفة، الامر الذي سيحرك العلاقات بين تركيا وإسرائيل لاحداث المعجزة. الفانتازيا احيانا يمكن أن تتحقق.
هآرتس 24/3/2016