الراعي: حذارِ من الانقسامات المذهبية فتزيد من عرقلة تأليف الحكومة

أكّد البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، في عظة الأحد التي ألقاها بعنوان “أنت الصّخرة وعلى هذه الصّخرة أبني كنيستي” (متى 18:16)، أنّ “الأزمة السياسيّة التي تشلّ حياة الدولة عندنا في لبنان، وتتسبّب بأزمة إقتصاديّة وماليّة ومعيشيّة خانقة، مردُّها ظلمة الضمائر المأسورة بالمصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة والولاءات الخارجيّة. والكلّ على حساب قيام دولة المؤسّسات والقانون، كما هو ظاهر في عدم إمكانيّة تأليف الحكومة بعد مضي خمسة أشهر كاملة على التكليف، وستة أشهر على الإنتخابات النيابية. وإذا بنا أمام سلطتين مشلولتين: السّلطة التشريعيّة والسّلطة الإجرائيّة، وبالتالي أصبحت الوزارات والإدارات وخدمة القضاء سائبة ويطغى عليها تدخّل السياسيّين، وينخرها الفساد. وبات القانون والقضاء يُطبّقان على هذا المواطن دون ذاك، وعلى فئة دون أخرى. أمّا مال الخزينة فيتبدّد، والدَّين العام يتفاقم، والبلاد على شفير الإفلاس، بحسب تحذيرات البنك الدولي، وشبابنا أمام آفاق مسدودة. فحذارِ فوق ذلك من الإنقسامات والنزاعات المذهبية التي قد يعمل البعض على تأجيج نارها، بعد أن خمدت عندنا، والحمد لله، فتزيد من عرقلة تأليف الحكومة”.
وتابع: “لا بدّ والحالة هذه من العودة الى الحقيقة التي تحرّر وتجمع، وهي حقيقة تعلنها الكنيسة من دون أية مصلحة أو لون سياسي أو ديني. ولأنها كذلك، فهي مبنيّة على صخرة الإيمان والحقيقة، ولذلك هي حرّة وشُجاعة ومتجرّدة. الحقيقة هي الوطن الذي يعلو فوق كلّ شخص وحزب ودين ومذهب. وهو بيت الجميع الذي يؤمّن لهم الحياة الكريمة والبحبوحة والخير والكرامة وحرارة العيش السّعيد، كما البيت الوالدي”.
وأضاف الراعي: “أمّا أساسات هذا البيت الوطني المشترك فهي الدستور والميثاق الوطني اللّذين عليهما تُبنى السّلطات، وبخاصّة اليوم السّلطة الإجرائيّة التي هي الحكومة. فلا يمكن تأليفها، بحسب ما يتّفق عليه السّياسيون النافذون، بل بحسب ما يقتضيه الدستور والميثاق. والحقيقة هي أنّ الهدف الأساسي من وجود الدولة والسّلطة السّياسيّة فيها هو الخير العام الذي منه خير كلّ مواطن وكل المواطنين. إنّ العمل السّياسي لا ينتهز انتهازًا، بل يستوجب تثقيفًا وتربيةً ملائمة، بحيث تستنير ضمائر الملتزمين بالشّأن السّياسي، وتُوجّه قواهم ليكونوا في خدمة تنمية الشخص البشري تنميةً شاملة، وتأمين الخير العام. وبهذه الصّفة، يصدر العمل السياسي من قلوب يسكنها الحب، كما يؤكّد قداسة البابا فرنسيس. أمّا البابا القديس يوحنا بولس الثاني أكّد بدوره على الرّباط القائم بين العمل السياسيّ ووصيّة المحبّة. فالحب، يقول، يرفع إلى القمم الأعلى في خدمة الشأن العام. ولقد شدّد سينودس الأساقفة الخاص بالشبيبة على ضرورة تنشئة الشّبيبة وتربيتها على الالتزام الاجتماعي والسّياسي. وسنعمل مع الجامعات وسواها على تأمين هذه التربية في أقسام وموادّ خاصّة من ضمن كلّيات ومعاهد”.
المصدر:النهار