وعلى أهمية هذا الموقف، الا ان العبرة تبقى في تنفيذه من قبل الحكومات العربية والخليجية، وخصوصا تلك التي تقول ان لبنان بالنسبة اليها بمثابة الأخ الأصغر. ويشهد له انه قادر على مواجهة الاخطار ان توفرت له إمكانات وعناصر المواجهة والتصدي.
ولقد فرضت الولاية الحالية للرئيس نبيه بري نفسها على مجريات المؤتمرالثالث والعشرين لمجلس الاتحاد الذي انعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، وكذلك على البيان الختامي للمؤتمر، حيث لعب بري دور مفكك الألغام وما أكثرها بين العرب، وصلة الوصل بين الكل، وادار الدفة في اتجاه تسليط الأنظار على مكمن الخطر الحقيقي، وتجنب ما من شأنه ان يزيد العرب تمزيقا وخصومات وتوترات في ما بينهم وفي ما بينهم وبين ايران.
احتلت فلسطين موقعها كقضية مركزية، او هكذا يجب ان تكون، واحتل الهاجس العربي والخوف الشامل من عاصفة الارهاب التي تضرب العرب، موقعه كتهديد وخطر ينبغي ردعه والقضاء عليه، لكن شرط ان يترسخ في الذهن العربي ان الارهاب لا دين له ولا هوية ولا وطن ولا رابط بينه وبين الاسلام. الارهاب التكفيري هو العدو، وهو الوجه الاخر لارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل.
وقد أكد البيان الختامي على ما يلي:
ـ دعم لبنان لتمكينه في استكمال تحرير ارضه وتنفيذ كل مندرجات قرار مجلس الأمن ١٧٠ وكذلك ترسيم حدوده البحرية.
ـ دعم لبنان لمواجهة الاستحقاقات المترتبة على أزمة نزوح الشعب السوري الشقيق وما وفد اليه من مخيمات سوريا من الأشقاء الفلسطينيين، اضافة الى المخيمات الفلسطينية الموجودة فيه مسبقا.
ـ دعم لبنان لاستعادة عافيته وتجاوز الضغوط السياسية والاقتصادية عبر اتخاذ استحقاقاته الدستورية وفي الطليعة انتخاب رئيس للجمهورية وإطلاق آليات التشريع، وخصوصا صوغ قانون جديد للانتخابات التشريعية.
ـ دعم الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية بالسلاح والعتاد لمواجهة الإرهاب على حدوده الوطنية وعلى حدود مجتمعه.
وأكد البرلمانيون العرب على «وحدة سوريا أرضا وشعبا والرفض بشدة اي طروحات عن فيديرالية او غيرها من أشكال التقسيم، ودعم الحوار الجاري بين المكونات السورية توصلا الى حلول سياسية بناء على قرارات مجلس الأمن وتفاهمات دولية».
وجددوا التأكيد على ان القضية الفلسطينية هي «القضية المركزية الاولى للأمة العربية، وان لا سلام ولا استقرار في الشرق الأوسط من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ينهي الاحتلال الاسرائيلي ويؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ٤ حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس، والتأكيد على القرار الدولي ١٩٤ الخاص بحق العودة».
وأيد البرلمانيون العرب اقتراح الرئيس بري بتشكيل لجنة برلمانية خاصة لدعم صمود الشعب الفلسطيني برئاسة رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم.
ودعا البيان الى «مواجهة الإرهاب التكفيري الذي تمدد في شتى ارجاء الوطن العربي»، مشددا على ضرورة «التمييز بين الإرهاب وحق الشعوب في المقاومة من اجل تحرير أراضيها من الاحتلال واستعادة حقوقها المشروعة»، ورأى البيان ان «ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل والإرهاب التكفيري الدموي الذي يستهدف الأقطار العربية، هما وجهان لعملة واحدة».
دعوة شيخ الأزهر لزيارة لبنان
من جهة ثانية زار بري، صباح أمس، شيخ الأزهر احمد الطيب وجرى البحث في التطورات العربية والإسلامية، وكانت وجهات النظر متفقة على وجوب درء الفتنة وتعزيز الحوار لمواجهة التحديات القائمة.
في مستهل اللقاء استحضر بري الامام موسى الصدر والدور الذي لعبه في تعزيز الاعتدال. وتوجه الى شيخ الأزهر قائلا: نحن نعول على دوركم اليوم، خصوصا في ظل ما يحاك للأمة.
ثم لفت بري الانتباه الى اننا كنّا بصدد الإعداد لحوار بين الأديان والثقافات تحت عنوان: نحو عيش انساني مستقر، وقد أوفدت الى القاهرة النائب ميشال موسى لنقل رغبتي بحضور الأزهر والفاتيكان، ولكن فهمت أنكم باشرتم العمل بنفس الاتجاه. وقد جرى عقد مؤتمر مؤخرا يضم رجال دين مسلمين ومسيحيين، ولكن أقول لكم ان هذه بداية طيبة ولكنها ليست كافية فالأخطار المحدقة بنا كبيرة جدا. وإنني اعتبر الأزهر الشريف مركز الاعتدال الاسلامي، كما ان ما يصدر عن المرجعية في النجف الأشرف والمرجعية الشيعية السيد السيستاني يَصبّ في هذا الإطار، وهناك قول معروف يؤكد على ذلك: السنّة ليسوا اخوتكم، بل هم انفسكم».
أضاف بري: لقد صدرعنكم بيان بدعم إرادة الشعوب وهو شبه وثيقة دستور، كما بيان اخر لكم حول منظومة الحريات الاساسية لمواجهة الارهاب الذي شكل «إسلاموفوبيا» وصار عابرا للقارات. وان هذه الأمانة للأزهر نعبر عنها في لبنان عبر الحوار الذي يجب ان يعمم في كل العالم العربي، حيث انه لا يمكن مواجهة التحديات الا بوحدة البلدان ايضا.
وفي معرض الحديث وجه بري دعوة لشيخ الأزهر الى لبنان، لافتا الى ان هذه الزيارة ليست محصورة بالاهداف الاسلامية ـ الاسلامية بل هي وطنية اذ لن يقل اندفاع اهلنا المسيحيين في لبنان لاستقبالكم عن اندفاع المسلمين.
ورد شيخ الأزهر معبرا عن ارتياحه لما سمعه ويسمعه من الرئيس بري، مؤكدا على وجوب مواجهة محاولات بث الخلافات والفتنة بين المسلمين، مشيرا الى ان الأزهر يدرّس المذهب الجعفري وانه لا توجد تفرقة في جامعته.
وهنا اكد بري بدوره انه لا بد من العمل على مواجهة الفتنة، داعيا الى الحوار والتقارب بين السعودية وإيران لان في هذا الحوار نتائج مهمة على العرب وعلى المسلمين.
بعد اللقاء قال بري: كانت جلسة بدأناها بالتذكير بزيارة الامام موسى الصدر لهذا الصرح، ذات يوم، الذي ينطلق الاعتدال منه وفكرة الدين القويم وعلى الصراط المستقيم والصريح. وكانت مناسبة لان انوه بكل قوة بما يصدر عن الامام الأكبر من تعاليم وبيانات، لاسيما حول حقوق الانسان وما يتعلق بالاجتماعات المتكررة التي تشمل جميع الأديان. واستعرضنا الحوار في لبنان وباركه، سواء كان بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» او بين جميع اللبنانيين. وكانت مناسبة لأوجه اليه دعوة لزيارة لبنان ووعد بدرسها او تلبيتها ان شاء الله. وكانت هناك جولة حيال كل ما يصدر وما يلحق بين المسلمين، وخصوصا في العالم العربي، ومحاولة إيجاد الفتنة بين المسلمين أنفسهم، سواء في العراق وسوريا وفي اكثر من بلد. واتفقنا على ان المستفيد الاول والأخير مما يحصل هو اسرائيل لا اكثر ولا اقل.
وردا على سؤال قال بري: لا يوجد شيء اسمه دين سني او دين شيعي، بل يوجد دين اسمه الدين الاسلامي، وتوجد مذاهب مختلفة في الآراء وتكون احيانا سياسية وغير سياسية، وهذا لا يفسد في الود قضية. كلنا ننتمي الى اسلام واحد موحد.
وردا على سؤال اخر قال: ما يحصل في العالم العربي أمر لا يصدق. هناك فوضى نجح القيمون عليها في نشرها في عالمنا العربي حتى يكاد لا ينجو منها احد.
وأكد بري ان «الديبلوماسية البرلمانية في لبنان استطاعت ان توجد حوارا بين الافرقاء قد لا يؤدي الى النتائج التي نبتغيها الان من انتخاب رئيس للبلاد نحن بأمس الحاجة اليه، لكنها على الأقل تجعل البلد واللبنانيين في حالة من الأمان ريثما نستطيع ان نصل الى هذا الهدف، بدلا من ان نحرق البلد ونحرق أنفسنا، وفي الوقت نفسه لا ننتخب رئيساً. على الأقل مطلوب حياة شبه عادية ريثما نصل الى انتخاب رئيس».
وحرص بري على القول «كلنا في خطر الإرهاب التكفيري ويجب ان نواجهه، وكل هذا الإرهاب يغطي ارهاب الدولة الذي تقوم به اسرائيل وهذا هو الإرهاب الحقيقي، ومع الأسف لقد تناسيناه جميعا ونسينا قبلتنا الاساسية فلسطين».
المصدر:موقع السفير